البيت قتيلا هو أيضا قتل جماعي حتى لو خلا من سكانه...
مقبرة جماعية للمواد الأولية المعدة لبناء مبنى للمعنى،
أو قصيدة غير ذات شأن في زمن الحرب...
البيت قتيلا هو بتر الأشياء عن علاقاتها وعن أسماء المشاعر، وحاجة التراجيديا إلى تصويب البلاغة نحو التبصر في حياة الشيء. في كل شيء كائن يتوجع... ذكرى أصابع وذكرى رائحة وذكرى صورة. والبيوت تقتل كما يقتل سكانها. وتقتل ذاكرة الأشياء: الحجر والخشب والزجاج والحديد والاسمنت تتناثر أشلاء كالكائنات.
والقطن والحرير والكتان والدفاتر والكتب تتمزق كالكلمات التي لم يتسن لأصحابها أن يقولوها.
وتنكسر الصحون والملاعق والألعاب والأسطوانات والحنفيات والأنابيب ومقابض الأبواب والثلاجة والغسالة والمزهريات ومرطبانات الزيتون والمخللات والمعلبات كما انكسر أصحابها. ويسحق الأبيضان الملح والسكر والبهارات وعلب الكبريت وأقراص الدواء وحبوب منع الحمل، والعقاقير المنشطة وجدائل الثوم والبصل والبندورة والبامية المجففة والأرز والعدس كما يحدث لأصحابها. وتتمزق عقود الإيجار ووثيقة الزواج وشهادة الميلاد وفاتورة الماء والكهرباء وبطاقات الهوية وجوازات السفر والرسائل الغرامية كما تتمزق قلوب أصحابها....
وتتطاير الصور وفرش الأسنان وأمشاط الشعر وأدوات الزينة والأحذية والثياب الداخلية والشراشف والمناشف كأسرار عائلية تنشر على الملأ والخراب...
كل هذه الأشياء ذاكرة الناس التي أفرغت من الأشياء، وذاكرة الأشياء التي أفرغت من الناس...
تنتهي بدقيقة واحدة....
إن أشياءنا تموت مثلنا، لكنها لا تدفن معنا!