--------------------------------------------------------------------------------
نحتاج في رمضان إلى أن نذرف دمعة ندم على ما فرطنا في جنب الله وأخطأنا مع
ربنا ومع أنفسنا ، نحتاج في رمضان إلى أن نعصر جفوننا لتخرج ماء ساخناً يغسل
أدراننا وخطايانا ، نحتاج في رمضان إلى انكسار وتأسف على ما صنعنا بأنفسنا
وأمتنا ، نحتاج في رمضان إلى الاعتراف بالاقتراف ، والإقرار بالأوزار ؛ فقد
اعترف أنبياء الله ورسله – عليهم الصلاة والسلام – بذنوبهم وبكوا منها ؛ فهذا
الخليل إمام التوحيد – عليه السلام –
يقول : ( والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي ) يوم الدين، ويونس بن متى يقول : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الظالمين ) ، هذا وهم الصفوة المصطفاة ، والنخبة المجتباة ، فكيف بنا ونحن
أهل الذنب والخطأ ؟.. فمتى نتوب إذن إذا لم نتب الآن ؟ متى نأسف إذا لم نأسف
اليوم ؟ ..وفي الحديث
( رغم أنف من أدركه رمضان ولم يغفر له ) !
فيا من تكاثرت ذنوبه ، وتعاظمت سيئاته هل من دمعة ؟ هل من رجعة ؟ هل من تأسف
؟ هل من تحسر ؟ ..
إن رمضان فرصة عظيمة لعتق الرقاب من النار ، ومن غضب الجبار :
إن الملوك إذا شابت عبيدهـم في رقهم عتقوهم عتق أبرارِ
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً شبنا من الرقِّ فاعتقنا من النارِ
وأخرى أوصيكم بها أعز وأجل ؛ وهي أن يعلن الواحد منا عفواً عاما عن إخوانه
المسلمين حتى يعفو الله عنه ؛ يعفو عن من أساء إليه أو شتمه أو سبَّه أو آذاه
، فإن الله يغفر لمن يغفر للناس ، ويرحم لمن يرحم الناس ، والذي لا يرحم
الناس لا يرحمه الله . إن الصائم من أرحم الناس ؛ لأنه ذاق الجوع ، ووجد
الظمأ وعاش المشقة ، فبدأت نفسه تتوق لرحمة المسلمين ، والحنان إليهم ،
واللطف بهم.
إن من أعظم ما يعود على المسلم في هذا الشهر الكريم : توبته وإنابته إلى ربه
، ومحاسبته لنفسه ، ومراجعته لتاريخه ، فهذا الشهر هو موسم التوبة والمغفرة
وشهر السماح والعفو ، فهو زمن أغلى من كل غال ، وأنفس من كل نفيس ، فعلى
المسلم أن يستغل دقائقه وساعاته فيما يرضي الله ؛ جاء عنه – عليه الصلاة
والسلام – أنه قال : ( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط
يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ) .
الإساءات منا كثيرة والعفو منه أكثر ، الخطأ منا كبير ورحمته أكبر ، الزلل
منا عظيم ومغفرته أعظم . فنسأل الله أن يرحمنا رحمة واسعة يغفر بها الذنب ،
ويمحو بها الخطيئة ، ويعفو بها عن الزلل .
د . عائض القرني حفظه الله